قيادة الفكرمقالات تحليلية

دور الخليج العربي في الحفاظ على الأمن الغذائي

مع تسارع النمو السكاني حول العالم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وندرة الموارد الطبيعية، تبرز قضية الأمن الغذائي كأحد أهم التحديات التي تواجه البشرية اليوم ومن المتوقع أن تزداد حدتها في المستقبل.

ويعد الأمن الغذائي حقاً معترف به لدي جميع الافراد حول العالم، لكن لا يفهم الجميع ما يعنيه وما هو المطلوب لتحقيقه. وتري منظمة الصحة العالمية أن الأمن الغذائي يتحقق «عندما يتمكن جميع الافراد في جميع الأوقات من الحصول على غذاء كاف وآمن ومغذي، للحفاظ على حياة أكثر صحة ونشاطاً». وبناء على هذا التعريف، هناك العديد من العوامل التي يجب وضعها لضمان تحقيق الأمن الغذائي.

أولا، يجب توافر الغذاء من خلال الإنتاج المحلي أو الاستيراد أو الاثنين معا. ثانياً، يجب أن يحصل الناس على الغذاء. ثالثاً، يجب أن يستهلك الناس كمية كافية ونوعية جيدة من الغذاء حتى يكونوا أصحاء. رابعاً، كل هذه الجوانب يجب أن تكون مستقرة، مما يعني أن الغذاء يجب أن يكون دائما متاحا للأفراد والأسر، على الرغم من التحديات الموسمية وغيرها من التحديات الأخرى.

في حين أن هذه العوامل الأربعة (التوافر، والوصول، والانتفاع، والاستقرار) تؤثر بشكل متساوي على الأمن الغذائي، حيث يكون مجال تأثيرها على مراحل مختلفة من سلسلة القيمة الغذائية. توافر الغذاء أمر ضروري على المستويين الوطني والعالمي. الوصول إلى الغذاء أكثر ارتباطاً بالأسر، والانتفاع من الغذاء مرتبط بالجودة والجوانب الغذائية للطعام.

مع تسارع النمو السكاني العالمي، يجب تكثيف إنتاج الغذاء بشكل كبير من الأراضي القليلة المتاحة بسبب التوسع الحضري وتدهور الأراضي، وذلك بهدف تلبية الاحتياجات الغذائية في المستقبل. هذا يجعل الأمن الغذائي أحد أكبر التحديات التي يواجهها العالم ويسلط الضوء على أهمية تحسين إنتاجية الأراضي المتاحة من خلال الاستخدام الفعال للمغذيات الزراعية.

shutterstock_159536792

الوضع الحالي للأمن الغذائي في دول مجلس التعاون الخليجي

يعتبر الأمن الغذائي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي مرتفعا نسبيا من منظور دولي. وتبلغ نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في دول مجلس التعاون الخليجي أعلي بقليل من 5%، وتعتبر القاعدة العامة التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» بأن البلدان التي تعاني من نقص التغذية بنسبة 5% أو أقل تعتبر أمنة غذائيا.

وفي المنطقة، يعتبر وضع الأمن الغذائي أكثر خطورة في المملكة العربية السعودية حيث يعاني حوالي 2.4 مليون شخص من نقص التغذية، أي ما يعادل 7% من إجمالي السكان. وفي عمان، تشير التقديرات إلى أن حوالي 330 ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي وهو ما يمثل حوالي 6.8% من إجمالي السكان. بينما في الكويت والإمارات العربية المتحدة، يعاني ما بين 100 ألف و250 ألف شخص من انعدام الأمن الغذائي، وهو ما يعادل 2.8% و2.6% على التوالي.

ووفقا لمؤشر الأمن الغذائي العالمي، الذي طورته وحدة الاستخبارات الاقتصادية، تحتل دول مجلس التعاون الخليجي المرتبة 31 عالمياً. يقدم مؤشر الأمن الغذائي العالمي تحليلا متعمقاً حول كيفية تأثير الركائز الأساسية للأمن الغذائي، وهي توافر الغذاء والقدرة على تحمل التكاليف والجودة والسلامة على مستوى الأمن الغذائي، في 113 دولة على مستوى العالم. وتأتي دول مجلس التعاون الخليجي من بين أعلى المراتب على مستوى العالم بعدما حافظت على مكانتها لعدة سنوات. ويعزي نجاح المنطقة إلى عوامل مثل انخفاض التعريفات الجمركية على الواردات الزراعية ووجود شبكات سلامة الغذاء من قبل الحكومات. ومع ذلك، يظهر الترتيب تفاوت كبير في الأمن الغذائي في جميع أنحاء المنطقة، حيث تحتل قطر المرتبة الــ 13 على مستوى العالم – وهو أعلى تصنيف في المنطقة، في حين تأتي البحرين في المرتبة الـ 50 على مستوى العالم – وهو أدنى تصنيف.

سجلت دول مجلس التعاون الخليجي نسبة عالية من القدرة على تحمل تكاليف الغذاء، حيث شغلت غالبية الدول المراتب العشرة الأولى، باستثناء البحرين وسلطنة عمان. وتعزي النسب العالية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى الدعم الحكومي القوي لبرامج شبكات الامن الغذائي، التي تشكل مصدراً هاماً للأمن الغذائي للأسر الضعيفة. وبالإضافة إلى ذلك، تظهر الدول الأكثر ثراء قدرة قوية على توفير الغذاء بالاقتران مع انخفاض التعريفات الجمركية على الواردات الزراعية. ومن الملاحظ صورة مختلفة في ترتيب دول مجلس التعاون الخليجي من حيث توافر الغذاء والذي يقيس مدى كفاية الإمدادات الغذائية لدولة أو منطقة ما، ومخاطر تعطل أو انقطاع الإمدادات، والقدرة على توزيع الغذاء وأيضا القدرة على توسيع الإنتاج الزراعي. وسجلت جميع دول مجلس التعاون الخليجي انخفاضاً بشكل استثنائي مقارنة بنظيراتها الدولية. وفي المتوسط، تحتل دول مجلس التعاون الخليجي المرتبة 50 على مستوى العالم، من بين 113 دولة. من الصعب على دول مجلس التعاون الخليجي الحفاظ على الإنتاج الغذائي. بالإضافة إلى ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي معرضة بشكل كبير للكوارث الطبيعية ذات الصلة بالمناخ. وفي هذا الصدد، تحتل المنطقة المرتبة 99 عالمياً من أصل 113 دولة، حيث تقع معظم دول مجلس التعاون الخليجي دون المرتبة المائة. عندما يتعلق الأمر بجودة الأغذية وسلامتها، فإن أداء دول مجلس التعاون الخليجي أفضل نسبيا، حيث احتلت المرتبة 30 في المتوسط من 113 في الإجمالي. لا يزال التنويع الغذائي في الخليج العربي غير متقدم بسبب الاعتماد الكبير على الأطعمة النشوية (الحبوب والجذور)، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى تزويد السكان بإمكانية الوصول إلى أنظمة غذائية أكثر توازناً لمنع سوء التغذية. ومن أهم الإنجازات التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي في مؤشر الأمن الغذائي العالمي، تصدر قطر المرتبة الأولى عالمياً في القدرة على تحمل تكاليف الغذاء. وكانت الكويت وقطر أكثر دولتين تحسناً خلال العام الماضي وهو ما سمح للكويت بالصعود إلى المرتبة 27 وقطر إلى المرتبة 13 عالمياً في عام 2019.

دور دول مجلس التعاون الخليجي في صناعة المغذيات الزراعية

يتجلى دور صناعة المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي في الأمن الغذائي العالمي بشكل أساسي في تزويد العالم بالمغذيات الأساسية. تعد دول مجلس التعاون الخليجي من أكبر منتجي المغذيات الزراعية حول العالم، حيث تبلغ مستويات الإنتاج الحالية حوالي 16.4 مليون طن من اليوريا و3.4 مليون طن من ثنائي فوسفات الأمونيوم. إن وفورات الحجم والإنتاج المنخفض التكلفة تجعل المنطقة مركزاً مثالياً للإنتاج. وتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي من بين الدول الأكثر إنتاجا على مستوى العالم من حيث عدد المغذيات الزراعية الرئيسية. على سبيل المثال، وبالنسبة لليوريا، تعد قطر والمملكة العربية السعودية من بين أكبر 10 منتجين على مستوى العالم، وبالنسبة ثنائي فوسفات الأمونيوم، تعد المملكة العربية السعودية من بين أكبر خمسة منتجين على مستوى العالم.

ونظرا لأن أغلب المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي يتم تصديرها إلى الخارج، فمن المنطقي أكثر النظر في إجراء بعض التحليلات لقياس التأثير على المستوى العالمي باستخدام الأساليب العالمية القابلة للتطبيق.

1 – منتج رئيسي للمغذيات الزراعية

2 – الاستجابة للطلب المتزايد على المغذيات الزراعية

  • يتم توزيع المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال شبكة مبيعات عالمية مع إمكانية الوصول إلى جميع مناطق استهلاك المغذيات الزراعية الرئيسية. يصدر منتجو المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى أكثر من 80 دولة بالإضافة إلى جميع القارات، من أوروبا إلى أمريكا الشمالية، إلى آسيا وأمريكا اللاتينية.

3 – إمداد النباتات بالمغذيات الأساسية

  • توفر صناعة المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي أهم العناصر الغذائية: النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم، ولكل منها دورا رئيسيا في تغذية النباتات. وتوفر صناعة المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي جميع هذه المغذيات الغذائية الأساسية الثلاثة.

4 – دعم الزيادة في عدد سكان العالم

  • استناداً إلى تقديراتنا، فإن المغذيات الزراعية النيتروجينية في دول مجلس التعاون الخليجي تدعم ما يقرب من 5% من سكان العالم أو حوالي 350 مليون نسمة، وهو أعلي من 2.6% في بداية القرن عام 2000 ونحو 0.2% في السبعينيات.

5 – دعم زيادة الإنتاج الغذائي

  • في حين دعمت صناعة المغذيات الزراعية العالمية حوالي 2.7 مليار طن من إنتاج المحاصيل الرئيسية (الأرز والقمح والذرة) في عام 2018، تدعم المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 215 مليون طن من هذه المحاصيل، والتي تمثل 4% من الإنتاج العالمي، وهو ارتفاع من 0.5% في عام 1970، و3% في عام 2000.

6 – دعم البحث والتطوير

  • يعمل الباحثون في صناعة المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي على تطوير تقنيات وحلول ومنتجات استراتيجية جديدة لتحسين التركيبات الحالية، والتي يعد بعضها الأول من نوعه في العالم. ويتمثل أحد مجالات التركيز الأكثر أهمية في الوقت الراهن في تطوير مغذيات زراعية ذكية قادرة على الاستجابة للإشارات من المحاصيل وإطلاق المغذيات في الأرض من أجل تلبية احتياجاتهم المحددة.

7 – توفير مصدر ثابت للعمالة

  • توظف صناعة المغذيات الزراعية في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أكثر من 12100 شخص. واستنادا إلى أحدث التقديرات، تدعم كل وظيفة في قطاع المغذيات الزراعية حوالي ثلاث وظائف في أماكن أخرى في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. ومن خلال دخل هذه الوظائف، يتمكن الناس وأسرهم من الحصول على الغذاء وتحقيق الاستقرار في استهلاك الغذاء وضمان التوازن المناسب بين العناصر الغذائية. ومن خلال هذه الأسباب، فإن دعم الوظائف هو أحد العناصر الأساسية في تحقيق الأمن الغذائي.

8 – ضمان إدارة المغذيات

  • قامت «جيبكا»، مع الجمعيات الصناعية الأخرى، بترويج نهج جديد يستند إلى المبادئ الـ4 للإشراف على المغذيات: المغذيات الزراعية المناسبة بالمعدل المناسب، في الوقت المناسب والمكان المناسب.

المضي قدماً

يتمحور دور المغذيات الزراعية في الأمن الغذائي حول كمية ونوعية الغذاء الذي يتم إنتاجه. حيث يتعلق الأمر من ناحية، بزيادة الإنتاج وتحسين المحاصيل الزراعية، ومن ناحية أخرى، تساعد المغذيات الزراعية في الحفاظ على خصوبة التربة وجودتها وتوفير الأمن الغذائي. وعلى مستوي الدول، تركز استراتيجيات الأمن الغذائي الوطنية على الزراعة والإمدادات الغذائية، متجاهلة أهمية التغذية. وهذا يتطلب تعاونا خارج الحدود الوطنية والاستجابة الدولية للمساعدة لضمان إعطاء المغذيات الزراعية (خاصة داخل المنطقة) اهتماما خاصا لتعويض هذا القلق المتزايد وضمان وجود علاقة قوية بين التغذية والنمو الاقتصادي.